اقتصاد

“كورونا” يضع الاقتصاد العالمي أمام أرقام “صادمة”… النمو “صفر”

في الوقت الذي تتسابق فيه مختبرات الحكومات وكبرى شركات الأدوية على ابتكار علاج فعال لفيروس كورونا المستجد، الذي قتل عشرات الآلاف وأصاب مئات الآلاف حتى الآن، فإن التوقعات الخاصة بمستقبل النمو العالمي تبدو أكثر من صادمة.

 

وخفضت وكالة “ستاندرد آند بورز” تقديرات نمو الاقتصاد العالمي في العام الحالي قرب الـ”صفر”، وهو مستوى غير مسبوق منذ الانهيار الاقتصادي في عام 1982.

 

في مذكرة بحثية حديثة للوكالة، قال كبير الاقتصاديين في وكالة التصنيف الائتماني، بول جرونوالد، إنه استجابة للتأثير الاستثنائي الحالي لوباء كورونا على النشاط الاقتصادي قمنا بخفض تقديرات النمو العالمي إلى 0.4 في المئة فقط هذا العام. وتوقع أن يتعافى الاقتصاد العالمي في عام 2021 ليتوسع بنسبة 4.9 في المئة. وأوضح أن “هذا الانخفاض في النشاط خلال العام الحالي سيكون حاداً للغاية”.

 

ومن شأن هذه التوقعات المتشائمة حول النمو العالمي أن تكون الأسوأ منذ الانهيار الاقتصادي عام 1982 عندما نما الناتج المحلي الإجمالي بنسبة 0.43 في المئة، والتي كانت في ذاك الوقت هي الأدنى منذ الكساد العظيم في الفترة من 1929 وحتى 1933.

 

وقبل تفشي الوباء، كانت توقعات “ستاندرد آند بورز” تشير إلى أن نمو الاقتصاد العالمي سيبلغ مستوى 3.3 في المئة في عام 2020. وتتوقع “ستاندرد آند بورز” أن تشهد الولايات المتحدة ومنطقة اليورو انكماشاً في الناتج المحلي بنحو 1.3 في المئة و2 في المئة على التوالي.

 

الاقتصاد الأميركي يتصدر قائمة المتضررين

ومن المتوقع، وفقاً للوكالة، أن يسجل الناتج المحلي الإجمالي الأميركي هبوطاً بنسبة 12 في المئة في الربع الثاني من العام الحالي مقارنة بالأرقام المسجلة خلال نفس الفترة من العام الماضي. وبحسب الوكالة، فإن هذه الأرقام تعني أن خسائر تقدر بنحو 360 مليار دولار في الناتج المحلي الإجمالي ستواجه أكبر اقتصاد في العالم مقارنة مع التوقعات الصادرة في ديسمبر (كانون الأول) من العام 2019.

 

وأوضحت أن نتائج سوق العمل الأميركي آخذة في التدهور بشكل حاد، كما من المرجح أن يتجاوز معدل البطالة 10 في المئة في الربع الثاني مع الوصول إلى ذروة شهرية أعلى 13 في المئة في مايو (أيار) المقبل.

 

فيما توقع بنك “غولدمان ساكس” انكماش الناتج المحلي الإجمالي للولايات المتحدة 34 في المئة خلال الربع الثاني من العام الحالي، مع قفزة لمعدل البطالة إلى مستوى 15 في المئة. وأشار في تقرير حديث إلى أن الاقتصاد الأميركي سيشهد ركوداً أعمق بكثير مما كان متوقعاً في وقت سابق، حيث تسبب الفيروس في الإضرار بالأعمال مما يتسبب في موجة من البطالة الجماعية.

 

وبحسب التوقعات، سينكمش أكبر اقتصاد في العالم بنحو 34 في المئة خلال الربع الثاني من العام الحالي على أساس سنوي، مقارنة بتقدير سابق كان يشير إلى انكماش نسبته 24 في المئة. ووفقاً للتقرير، قد يرتفع معدل البطالة إلى 15 في المئة خلال نفس الربع، مقارنة بالتوقعات السابقة البالغة 9 في المئة.

 

ولفت إلى أن التقديرات تشير إلى أن ما يزيد قليلاً على نصف انخفاض الإنتاج على المدى القريب سيتم تعويضه بنهاية العام، في حين أن هناك خطر حدوث تداعيات طويلة المدى على الدخل والإنفاق.

 

الفيروس يزحف باقتصاد العالم نحو مزيد من المخاطر

وشدّد تقرير وكالة “ستاندرد آند بورز” على المسار غير المتوقع للفيروس، مع الإشارة إلى أن تقديراتها تستند إلى التعافي بناءً على تقديرات بعض الحكومات بأن الوباء سيبلغ ذروته في منتصف العام.

 

وبحسب التقرير، فإن المخاطر التي تهدد توقعات الوكالة لا تزال في الاتجاه السلبي، نظراً لأن الترجمة من النتائج الصحية إلى المتغيرات الاقتصادية لا تزال غير مؤكدة إلى حد كبير.

 

وترى الوكالة أن الأسواق الناشئة تتعرض إلى ثلاث صدمات بالتزامن مع “كوفيد-19″، أولاها تعطّل سلاسل التوريد وتقييد تدفقات الأشخاص، أما الأخرى فهي الطلب على السلع الآخذ في التراجع، والثالثة تتجسد في تدفقات رأس المال الخارجة.

 

في الوقت نفسه، أشارت دراسة بحثية لمركز “المستقبل” للأبحاث والدراسات المتقدمة، إلى أنه ربما يكون الأسوأ قد انتهى بالنسبة إلى الصين، بل إن مدينة ووهان، أولى النقاط المنكوبة بالفيروس، بدأت، منذ 25 مارس (آذار) الماضي، في استعادة النشاط تدريجياً، فعادت فيها بعض مظاهر الحياة وحركة البشر ووسائل المواصلات الجماعية بشكل جزئي.

 

لكن بقية دول العالم يبدو أنها تحاول الاستعداد للأسوأ في معدلات انتشار الفيروس. كما أن أرقام الوفيات بدورها تثير الذعر، فإذا كانت نسبة الوفيات بين المصابين في الصين تبلغ نحو 2 في المئة، بل إن بعض الباحثين يرون أن معدل الوفيات الحقيقي في الصين أقرب إلى 1 في المئة، إلا أن العلماء يقولون إن “كورونا” المستجد قد يكون مميتاً أكثر من “الإنفلونزا الموسمية”، وهو وإن كان أقل فتكاً بكثير من “السارس” أو “متلازمة الشرق الأوسط التنفسية” أو “الإيبولا”، فلا يزال يبدو أن هناك الكثير غير معروف عنه. ففي بعض الدول، كإيطاليا وإسبانيا وإيران، تصل نسب الوفيات بسبب الفيروس إلى مستويات كبيرة، هي 10.8 و8.2 و7.1 في المئة على الترتيب.

 

وأوضحت الدراسة أن هذه المؤشرات قد تعني أن العالم ينتظر المزيد من الانتشار لفيروس “كورونا”، وأن الاقتصاد العالمي ينتظره الكثير من المشكلات الناتجة عن ذلك، وأن الإغلاق للأنشطة الاقتصادية العالمية لم يصل مداه بعد، على نحو يقود الاقتصاد العالمي إلى مستقبل غير معلوم، وربما يكون ذلك هو ما دفع صندوق النقد الدولي، منذ يومين، إلى القول إن “الاقتصاد العالمي دخل بالفعل مرحلة ركود بسبب كورونا”.

 

البنوك الأوروبية تفقد 131 مليار دولار

في السياق ذاته، توقع محللون في بنك “غولدمان ساكس” أن تفقد البنوك الأوروبية 120 مليار يورو (131 مليار دولار) على مدى السنوات الثلاث المقبلة بسبب وباء كورونا. وخفض المحللون توقعاتهم لأرباح قطاع البنوك في أوروبا حتى عام 2023 بنسبة 27 في المئة، أي أربعة أمثال التباطؤ المتوقع في وقت سابق من هذا الشهر، والبالغ 30 مليار يورو (32.75 مليار دولار).

 

وأوضح أن المقرضين في جميع أنحاء القارة سيكافحون مع زيادة القروض المتعثرة وضعف الإيرادات، بينما من المرجح أن تظل التكاليف كما هي. وأشار إلى أنه يجب أن يلتزم المستثمرون البنوك المهمة في النظام، حيث من المرجح أن يستفيدوا أكثر من مجموعة التدابير التي اتخذتها الهيئات التنظيمية لدعم الأسواق.

 

وأضاف “يجب عليهم إعطاء الأولوية للمقرضين المتنوعين الذين لديهم مستويات عالية من الربحية ورأس المال، مثل إتش.إس.بي.سي”. وفضلاً عن معدلات الفائدة السالبة، جاء فيروس كورونا ليمثل تحدياً كبيراً للبنوك الأوروبية مع توقعات ارتفاع حالة التخلف عن سداد الديون.

 

تحركات مستمرة لدول مجموعة العشرين

في سياق التحركات الدولية لاحتواء تدعيات الفيروس، قالت مجموعة العشرين إنها ستقدم خطة عمل بشأن فيروس كورونا في غضون أسبوعين لمعالجة انكشافات الدين لدى البلدان الأشد فقراً وتقديم المساعدة المالية للاقتصادات الناشئة.

 

وأمس، بحث وزراء المالية ومحافظو البنوك المركزية لدول المجموعة في مؤتمر عن بعد، كيف يمكن لصندوق النقد والبنك الدوليين تخفيف نقص السيولة في الأسواق الناشئة، التي شهدت نزوح 83 مليار دولار من رؤوس الأموال. ومن المقرر أن تعمل دول المجموعة أيضاً مع مجلس الاستقرار المالي المنبثق عنها، والذي تشكل عقب الأزمة المالية في 2008، لتنسيق الإجراءات التنظيمية والإشرافية المتخذة في مواجهة فيروس كورونا.

 

وستتفق مجموعات عمل على تفاصيل الخطة قبل الاجتماع التالي للمجموعة في 15 أبريل (نيسان) الحالي. وسيتزامن ذلك مع اجتماعات الربيع لصندوق النقد والبنك الدوليين، اللذين يشارك قياداتهما في الاجتماعات الدورية لمجموعة العشرين أيضاً.

 

كان زعماء دول مجموعة العشرين تعهدوا خلال الأسبوع الماضي إنفاق أكثر من 5 تريليونات دولار للحدّ من فقد الوظائف والدخل الناجم عن تفشي الفيروس، والعمل على تخفيف تعطيلات الإمداد الناتجة عن إغلاقات الحدود.

 

في الوقت نفسه، دعا صندوق النقد والبنك الدولي إلى تحرك عاجل من الدول الدائنة لتعليق مدفوعات خدمة الديون الثنائية لمعظم البلدان الأكثر انكشافاً، والتي تضرر بعضها ضرراً مضاعفاً من تهاوي أسعار النفط.

 

ورحبت مديرة صندوق النقد الدولي، كريستالينا جورجيفا، بالخطوات المتخذة بالفعل من دول مجموعة العشرين، لكنها قالت إنه ما زالت لديها “بواعث قلق كبيرة حيال التوقعات السلبية للنمو العالمي في 2020 وبخاصة في ما يتعلق بالضغوط التي قد يفرضها التباطؤ على الأسواق الناشئة والدول ذات الدخل المنخفض”. وأضافت “توقعنا لتعافٍ في العام المقبل يتوقف على طريقة احتوائنا للفيروس وتقليل مستوى عدم التيقن”.

 

كانت جورجيفا قد قالت، الأسبوع الماضي، إن الاقتصاد العالمي في حالة ركود بالفعل ودعت إلى إنفاق “قوي” لتفادي موجة إفلاسات وتخلف عن سداد ديون الأسواق الناشئة. وقالت إن الاقتصادات الناشئة ستحتاج 2.5 تريليون دولار في الأقل. وأشارت إلى أن صندوق النقد عدّل قواعده للسماح للأعضاء الأشد فقراً بالاستثمار في مواجهة الأزمة بدلا عن سداد تمويلات صندوق احتواء الكوارث والإغاثة، وحثت الدول الأخرى على زيادة حجم ذلك التسهيل إلى مليار دولار.

 

وأضافت “أعوّل على مجموعة العشرين للمساعدة في بناء توافق على طريقة المضي قدماً بالنسبة إلى الأعضاء الأشد فقراً”.

 

ويوم الاثنين الماضي، اتفق وزراء تجارة دول المجموعة على إبقاء أسواقهم مفتوحة والعمل على ضمان تدفق الإمدادات والمعدات الطبية والسلع الضرورية كافة.

المصدر: إندبندنت عربية
إغلاق