أسواق عالمية
صناعة النفط والغاز البريطانية مرشحة لخسارة 30 ألف وظيفة على مدى 18 شهرا
واصلت أسعار النفط الخام خسائرها الحادة من جراء تداعيات جائحة كورونا التي تسببت في تدمير الطلب العالمي على النفط الخام وتخمة المخزونات النفطية والتي اقتربت من مستوياتها القصوى، في ظل شكوك بأن تخفيف بعض الدول القيود على التنقل سيكون لها مردود سريع على إنعاش الطلب على الوقود.
ويتأهب المنتجون في “أوبك” وخارجها لتنفيذ اتفاق خفض الإنتاج مطلع الشهر المقبل بنحو 9.7 مليون برميل يوميا وسط شكوك لدى قطاع كبير من المعنيين بالسوق حول قدرة هذا الخفض في المعروض النفطي على تحسين عملية التوازن بين العرض والطلب في الأسواق في ظل التدهور السريع للطلب وامتلاء المخزونات بوتيرة سريعة إلى حد استئجار السفن والناقلات العملاقة لاستخدامها في تخزين الوقود الراكد.
وقال لـ”الاقتصادية” مختصون ومحللون نفطيون، إن تداعيات أزمة كورونا على الاقتصاد العالمي تتفاقم تباعا مع استمرار ارتفاع الإصابات وبقاء أغلب الاقتصادات الدولية مغلقة ما يضغط بقوة على الطلب، لافتين إلى أغلب اقتصادات العالم ستسجل انكماشا واسعا في العام الجاري خاصة الاقتصاد الألماني وهو أكبر الاقتصادات الأوروبية الذي قد تتجاوز نسبة انكماشه هذا العام بنحو أكثر من 6 في المائة.
وأوضح المختصون أن السوق تتطلع إلى بدء تخفيضات الإنتاج مطلع الشهر المقبل الذي تنفذه دول “أوبك” وخارجها ولكن التأثير على الأرجح سيكون محدودا بسبب ضعف الطلب المتفاقم علاوة على أن بعض المنتجين في “أوبك +” قاموا بزيادة إنتاجهم في نيسان (أبريل) استعدادا لبدء تطبيقات خفض الإنتاج في أيار (مايو) ما سيجعل أحجام الإنتاج قرب مستوياتها الطبيعية دون تغييرات جذرية.
وأكد سيفين شيميل مدير شركة “في جي آندستري” الألمانية، أن ضغوط جائحة كورونا على اقتصادات العالم أصبحت ثقيلة للغاية بسبب عدم معرفة موعد تقريبي لانتهاء الجائحة، مبينا أن أبرز المؤشرات الاقتصادية التي انعكست عليها تأثيرات الجائحة هو معدلات البطالة التي قفزت على نحو قياسي، حيث إن بعض التقارير الدولية تشير إلى أن صناعة النفط والغاز في المملكة المتحدة – على سبيل المثال – ستخسر ما يصل إلى 30 ألف وظيفة على مدى 12 – 18 شهرا المقبلة.
وأشار إلى أن بقية المؤشرات الاقتصادية الأخرى تعاني أيضا ومنها مستويات الحفر التي تراجعت بمقدار الثلث وانخفاض الاستثمار بشكل حاد وتراجع أسعار الطاقة، موضحا أن التوقعات قاتمة بسبب أحكام الوباء لقبضته على الاقتصاد البريطاني وعديد من الاقتصاديات الكبرى في العالم وتهاوي الطلب بسبب عمليات الإغلاق التي أدت إلى الحد من استهلاك وقود النقل وتراجع النشاط الاقتصادي.
من جانبه، قال دامير تسبرات مدير تنمية الأعمال في شركة “تكنيك جروب” الدولية، إن سوق النفط يجتاز واحدة من الأزمات التاريخية غير المسبوقة التي تحتاج إلى تضافر جهود جميع أطراف الصناعة حيث لا يمكن أن يتحملها طرف واحد بمفرده خاصة في ضوء انخفاض أسعار خام برنت القياسي العالمي بأكثر من 70 في المائة منذ بداية العام.
وأوضح أن انهيار الأسعار تسبب بشكل سريع في تقليص ربحية مشغلي النفط والغاز حول العالم خاصة من أصحاب التكلفة المرتفعة في الولايات المتحدة وبحر الشمال، لافتا إلى أن بيئة الأسعار الضعيفة الحالية ستشكل تحديات كبيرة على صناعة النفط والغاز وستؤثر سلبيا على معدلات الاستثمار، مؤكدا حاجة الصناعة إلى دعم مستدام وموجه إذا أرادت تجاوز العاصفة.
من ناحيته، ذكر ماركوس كروج كبير محللي شركة “إيه كنترول” لأبحاث النفط والغاز، أن الطلب الآسيوي هو على الأرجح الذي سيقود مرحلة التعافي للطلب العالمي الذي تأثر كثيرا من تداعيات الجائحة، لافتا إلى أن بعض المصافي في منطقة آسيا والمحيط الهادئ بدأت في استئناف نشاطها والتخفيف التدريجي للتدابير التي اتخذت لمكافحة وباء كورونا.
وأكد أن استعادة الطلب العالمي لتعافيه ستكون مهمة صعبة وبطيئة نسبيا في ضوء استمرار الأزمة دون حلول ناجزة، مبينا أنه على سبيل المثال خفضت شركة النفط الهندية إنتاج الخام 50 في المائة في مصافيها التسعة لمواجهة تراجع الطلب على المنتجات البترولية كما فرضت الحكومة الهندية إغلاقا شاملا على الصعيد الوطني لاحتواء الوباء حتى 3 أيار (مايو) المقبل.
بدورها، قالت مواهي كواسي العضو المنتدب لشركة “أجركرافت” الدولية، إن انخفاض الطلب على المنتجات النفطية دفع كثيرا من مصافي الدول المستهلكة الكبرى إلى تخفيض طاقاتها بنحو 70 في المائة وهو ما يعكس حجم الأزمة الكبيرة في السوق النفطية ويتضح هذا الأمر بقوة في عديد من مصافي الهند وباكستان.
وأشارت إلى أن كثيرا من البنوك خاصة في الولايات المتحدة مثل جولدمان ساكس وأوف أمريكا تفرض قيودا على الإقراض ما يمثل عقبة أخرى تضاف إلى سلسلة المصاعب التي تواجه شركات النفط الأمريكية خاصة في ضوء الانهيار الواسع في الأسعار وتراجع الطلب وتزايد وفرة النفط الخام، لافتا إلى وجود صعوبات أخرى تتعلق بتزايد تكلفة العثور على النفط الخام وتطويره في الولايات المتحدة ما يجعله أقل جاذبية للاستثمار من قبل منتجي النفط الخام الأمريكي.
وفيما يخص الأسعار، انخفضت أسعار النفط الخام أمس، وسط مخاوف بشأن تضاؤل طاقة تخزين الخام عالميا وتنامي المخاوف من أن يأتي تعافي الطلب على الوقود بطيئا مع تخفيف الدول القيود المفروضة على الأنشطة والحياة الاجتماعية لاحتواء جائحة كورونا.
وبحسب “رويترز”، نزل سعر خام غرب تكساس الوسيط الأمريكي إلى مستوى متدن عند 10.64 دولار للبرميل أمس. وسجل هبوطا 12.8 في المائة أو 1.64 دولار إلى 11.14 دولار للبرميل بحلول الساعة 06:35 بتوقيت جرينتش. وانخفض الخام الأمريكي 25 في المائة أمس الأول.
ونزل خام القياس العالمي برنت إلى 18.85 دولار وفي أحدت تعاملات فقد 4.3 في المائة ما يوازي 85 سنتا إلى 19.14 دولار للبرميل. وأمس الأول خسر خام القياس 6.8 في المائة وينتهي العمل بعقد الخام تسليم حزيران (يونيو) في 30 نيسان (أبريل).
وحتى مع اتفاق منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) وحلفاء بقيادة روسيا على خفض قياسي لإنتاج النفط بنحو عشرة ملايين برميل يوميا بداية من أول أيار (مايو)، فإن الحجم ليس كافيا لتعويض انخفاض الطلب بنحو 30 مليون برميل يوميا بسبب قيود كوفيد – 19.
ونتيجة انهيار الطلب، يقدر أن طاقة التخزين البرية العالمية لامتلأت 85 في المائة في الأسبوع الماضي حسب بيانات شركة الاستشارات كبلر.
وفي مؤشر على اليأس الذي استبد بقطاع الطاقة بحثا عن أماكن تخزين، قالت مصادر ملاحية إن تجار النفط يلجأون إلى استئجار سفن أمريكية باهظة التكلفة لتخزين البنزين أو شحن الوقود للخارج.
من جانب آخر، تراجعت سلة خام “أوبك” وسجل سعرها 13.30 دولار للبرميل أمس الأول مقابل 14.31 دولار للبرميل في اليوم السابق.
وقال التقرير اليومي لمنظمة الدول المصدرة للبترول “أوبك” إن سعر السلة التي تضم متوسطات أسعار 13 خاما من إنتاج الدول الأعضاء في المنظمة حقق ثاني انخفاض له على التوالي، كما أن السلة خسرت نحو دولار واحد مقارنة باليوم نفسه من الأسبوع الماضي الذي سجلت فيه 14.19 دولار للبرميل