أسواق عالمية

ثالث اقتصاد عالمي يواجه خطر السقوط الحر

تبدو القناعة السائدة لدى كثيرين في الوقت الحالي، أن الصين ربما تكون أكثر الاقتصادات الآسيوية تعرضا للخسائر نتيجة جائحة كورونا، فالصين هي البؤرة، التي انطلق منها الفيروس إلى باقي أنحاء العالم، كما يعتقد بعض العلماء.
كما أن التراجع المتوقع لمعدلات نمو الاقتصاد الصيني، والخسائر، التي لحقت به نتيجة انخفاض نسب التجارة الدولية، والأضرار التي نالت من أسواق المال الوطنية، والمساعدات المالية لملايين العاطلين عن العمل، تجعل الأذهان أكثر استعدادا لتقبل فكرة أن الاقتصاد الصيني سيكون الخاسر الأكبر آسيويا نتيجة الجائحة وأضرارها الاقتصادية.
لكن بالنسبة لكثيرين، فإن الواقع قد يبدو خلاف ذلك، إذ تشير تقديرات دولية أن اليابان وليس الصين ستكون أكبر الخاسرين اقتصاديا في القارة الصفراء نتيجة الجائحة، فحتى قبل تفشي الفيروس كان الاقتصاد الياباني في وضع صعب، إذ تراجعت الصادرات بسبب تباطؤ الطلب الصيني حتى قبل انتشار الفيروس، ولعبت زيادة الضرائب الداخلية دورا مهما في تقليص معدلات الاستهلاك المحلي.
كما أن الحرب التجارية الصينية الأمريكية واليابانية مع كوريا الجنوبية قد تركت بصمات سلبية على الاقتصاد الياباني، وكان هذا بينا في تقلص الناتج الاقتصادي 7.1 في المائة في الربع الأخير من 2019.
ويقول لـ”الاقتصادية”، فوجارتي جولد الباحث الاقتصادي إن “الأمر لا يتوقف فقط عند حدود التجارة الخارجية، فلقد تبخرت السياحة تقريبا، فاليابان كانت تخطط لاستقبال 40 مليون زائر هذا العام، وهذا مستبعد حاليا، ففي شهر مارس انخفض عدد السائحين بنحو 60 في المائة أي أقل من 1.1 مليون سائح، وغالبا سيكون الوضع أسوأ في أبريل والنتيجة ارتفاع معدلات الإفلاس بين الفنادق والمطاعم ومنظمي الرحلات السياحية، وتم إلغاء أحداث رياضية وثقافية ضخمة، وتم تأجيل أولمبياد طوكيو حتى العام المقبل، وهذا يتضمن خسائر مالية نتيجة التأخير، إضافة إلى إنفاق مبالغ مالية أخرى مستقبلا لإعادة تنظيمها”.
ويضيف جولد: “الركود الحاد ربما يكون هو المسار، الذي سيسلكه ثالث أكبر اقتصاد عالمي في مرحلة ما بعد كورونا، وربما يمر بمرحلة من السقوط الحر، والمرجح أن تكون اليابان أسوأ الاقتصادات الآسيوية والعالمية أداء هذا العام نتيجة الجائحة”.
الدكتورة جوليا ليزهيد أستاذة الاقتصاد الدولي في جامعة جلاسكو والاستشارية في البنك الدولي تعتقد أن اليابان واجهت ذات المعضلة التي واجهتها أغلب، إن لم يكن جميع دول العالم، وهي المفاضلة بين وقف انتشار العدوى والاقتصاد.
وتضيف لـ”الاقتصادية”، أنه “على النقيض من عمليات الإغلاق الصارمة التي تبنتها بعض الدول، جعلت اليابان عمليات الإغلاق غير إلزامية، وسمح لعديد من المتاجر والمطاعم والمصانع بالبقاء مفتوحة للحفاظ على استمرار الاقتصاد، واعتمدت السلطات في الحد من وجود المواطنين في الفضاء العام على الضغوط الاجتماعية، والتقاليد اليابانية المتجذرة في احترام السلطة، ولكن مع زيادة حالات الإصابة بالفيروس، فإن رئيس الوزراء منح حكام سبع ولايات سلطة المطالبة بإغلاق الشركات لزيادة التباعد الاجتماعي”.
وعلى الرغم من استناد رئيس الوزراء الياباني في قراره بشأن عدم الإغلاق التام على رأي الخبراء، الذين أشاروا إلى انتفاء الضرورة لذلك، فإن جزءا من المسألة يعود لأسباب قانونية أيضا، إذ إن الحكومة حتى في ظل التشريعات القانونية، التي سنت حديثا، لن يكون لديها القدرة على إغلاق الشركات بالقوة أو منع الناس من ممارسة حياتهم اليومية.
اقتصاديا، ترى الدكتورة جوليا أن الإغلاق حتى ولو كان جزئيا لن ينقذ الاقتصاد الياباني أو يحسن فاعلية الأداء، فارتباط الاقتصاد الياباني بالاقتصاد العالمي، خاصة الصين والولايات المتحدة أكبر شريكين تجاريين لليابان واللذين يواجهان أوضاعا اقتصادية صعبة، يجعل الاقتصاد الوطني عرضة للتراجع والاهتزاز، نتيجة الانعكاسات السلبية، التي سيمنى بها جراء العلاقة الوثيقة بالاقتصاد الدولي.
وربما لهذا السبب تحديدا أطلق رئيس الوزراء شينزو آبي أكبر حزمة تحفيز في اليابان حتى الآن، وتبلغ 108 تريليونات ين أي نحو تريليون دولار أمريكي ما يقدر بنحو 20 في المائة من الناتج المحلي الإجمالي، للحد من الأضرار الاقتصادية الناجمة عن تفشي وباء كورونا.
وإذ يرجع عدد من الاقتصاديين ضخامة تلك الحزمة إلى الانتقادات التي تعرض لها رئيس الوزراء الياباني بسبب ما عده البعض استجابة باهتة من قبل الحكومة لفيروس كورونا، لكن الأمر لم يقف عند تلك الشكوك.
فبعض الخبراء يتساءلون عن قدرة اليابان التي تعد الدولة الأكثر مديونية في العالم على تحمل هذا النوع من الإنفاق، ما قد يشير إلى أن الحزمة الفعلية ربما تكون أقل بكثير مما أعلن رئيس الوزراء، وأن الرقم المعلن يتضمن في ثناياه برامج التحفيز المطبقة بالفعل، وربما تكون الميزة الرئيسة للحزمة الجديدة أنها ستكون أسرع في ضخ تلك الأموال في الاقتصاد الوطني لدرء أي كارثة اقتصادية في الأفق، بحيث تقدر المساعدات التي ستمنح للشركات بـ 18350 دولارا، بينما ستنال الأسر مبالغ نقدية مباشرة بقيمة 300 ألف ين أي ما يعادل 2756 دولارا للأسر التي فقدت دخلها خلال الأزمة.
ويوضح لـ “الاقتصادية”، في برويربتشر الاستشاري في بنك إنجلترا: “الديون السيادية اليابانية هي بالفعل الأعلى في العالم فيما يتعلق بإجمالي الناتج المحلي عند مستوى إجمالي يبلغ 237 في المائة أي ضعف مستوى الولايات المتحدة البالغ 107 في المائة”.
ويضيف برويربتشر “المشكلة أن الحكومة اليابانية لن يكون أمامها من أجل تلبية تلك الحزمة من المساعدات سوى اللجوء إلى البنك المركزي، عبر تعويم سندات إضافية هذا العام”.
لكن الحكومة اليابانية لا ينتابها قلق كبير إزاء حجم الديون المتراكمة عليها، فعلى عكس الاقتصادات المتقدمة الأخرى المثقلة بالديون، فإن بنك اليابان هو المشتري الأول للديون اليابانية، ويتيح ذلك للحكومة إعادة تمويل جميع ديونها دون أي تكلفة، ولأن الدولة اليابانية في الواقع هي المدينة بالمال لنفسها، فهناك خطر ضئيل جدا من أزمة ديون يابانية، رغم ارتفاع معدلات عدم اليقين الاقتصادي.

إغلاق