أخبار
الطيران وتغير المناخ.. هذا ما يفعله وقود الطائرات في غلافنا الجوي
يؤثر الطيران على تغير المناخ بطرق عدة، أبرزها ما يصدر عن وقود محركات الطائرات من حرارة وجزيئات وغازات تسهم في تفاقم الاحترار العالمي.
يمثل ثاني أكسيد الكربون الناجم عن السفر الجوي في حوالي ثلث تأثير ظاهرة الاحتباس الحراري، بينما تتسبب عوامل أخرى في الثلثين الآخرين، وأهمها مسارات التكثيف، أو النفاثات، التي تتركها الطائرات وراءها.
لذا في 2022، تبنت الدول الأعضاء في منظمة الطيران المدني الدولي (إيكاو) هدفًا طويل الأجل يتمثل في الوصول إلى صافي انبعاثات الكربون أو الحياد الكربوني في قطاع الطيران بحلول عام 2050.
لتحقيق هذا الهدف، يجب وضع العديد من تدابير خفض انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، مثل التبني السريع لتقنيات الطائرات الجديدة والمبتكرة، وعمليات الطيران المبسطة، وزيادة إنتاج ونشر وقود الطيران المستدام.
6 أنواع للوقود البديل.. مصادر نظيفة لإنقاذ الأرض من تلوث الهواء
برنامج «نُوَفِّـــي».. ريادة مصرية عربية طموحة للمناخ
كيف يؤثر الطيران على المناخ؟
قبل جائحة كوفيد-19، عندما كان قطاع الطيران العالمي في ذروة نشاطه في عام 2019، كان يساهم بحوالي 6% من الغازات الدفيئة المسببة لظاهرة الاحتباس الحراري في غلافنا الجوي.
بعد مرور عام، ومع إصابة الصناعة بالشلل بسبب إلغاء الرحلات الجوية بسبب الوباء، انخفض هذا الرقم بنسبة 43%،
وصلت انبعاثات الطيران في عام 2022 إلى ما يقرب من 800 مليون طن من ثاني أكسيد الكربون، أي حوالي 80% من مستوى ما قبل الوباء، وأصبح يمثل الآن حوالي 2.5٪ من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون العالمية.
لكن العديد من الأبحاث والدراسات تؤكد أن مساهمته الإجمالية في تغير المناخ أعلى من ذلك بكثير، وذلك لأن السفر الجوي لا ينبعث منه ثاني أكسيد الكربون فقط، فهناك انبعاثات أخرى تؤثر على المناخ بطرق أكثر تعقيدا.
بالإضافة إلى انبعاث ثاني أكسيد الكربون من حرق الوقود، تؤثر الطائرات على تركيز الغازات والملوثات الأخرى في الغلاف الجوي.
أثناء الطيران، تنبعث من الطائرات جزيئات وغازات مثل غاز ثاني أكسيد الكربون (CO2) وبخار الماء والهيدروكربون وأول أكسيد الكربون وأكاسيد النيتروجين وأكاسيد الكبريت والرصاص والكربون الأسود، وتتفاعل هذه الانبعاثات مع نفسها ومع الغلاف الجوي.
تتشكل النفاثات، تلك السحب البيضاء الضيقة التي ترسم مسار الطائرة عبر السماء، عندما يحترق وقود الطائرات، الذي يحتوي على الكيروسين.
ذاك الشريط الدخانى النفاث الأبيض الذي ينبعث من الطائرة المحلقة فى جو بارد ورطب، هو عبارة عن ماء مكثف يمتزج بجزيئيات الغازات الساخنة والناتجة عن احتراق وقود الكيروسين العادى، والتى تتفاعل مع الغازات المحيطة من نيتروجين وكبريت مسببة زيادة ملموسة فى غازات الاحتباس الحرارى، أبرزها ثاني أكسيد الكربون.
تتسبب درجات الحرارة المنخفضة في تكثيف بخار الماء حول السخام والكبريت الذي خلفته انبعاثات الطائرات النفاثة. ويمكن أن تظل بلورات الثلج الناتجة معلقة في الهواء لساعات.
تحبس النفاثات الحرارة في الغلاف الجوي، كما هو الحال مع غازات الدفيئة، مما يزيد بشكل كبير من تأثير الطيران على مناخ العالم.
تأثير أكبر
أظهرت الدراسات الحديثة أن النفاثات أكثر ضررًا بنحو 1.7 مرة من انبعاثات ثاني أكسيد الكربون، عندما يتعلق الأمر بالاحتباس الحراري.
في بحث صادر في 2020 حدد الباحثون التأثير الكلي للطيران على ظاهرة الاحتباس الحراري عندما تم تضمين كل هذه التأثيرات.
للقيام بذلك قاموا بحساب ما يسمى بـ”التأثير الإشعاعي”، الذي يقيس الفرق بين الطاقة الواردة والطاقة المشعة مرة أخرى إلى الفضاء.
تشير القاعدة العلمية إلى أنه في حال تم امتصاص طاقة أكثر من الإشعاع، يصبح الغلاف الجوي أكثر دفئا.
يقدر البحث حجم التأثير الإشعاعي للعناصر المختلفة المنبعثة من الطيران، وعند جمعها، وجدوا أن الطيران يمثل حوالي 3.5٪ من التأثير الإشعاعي الفعال: أي 3.5٪ من الاحترار.
على الرغم من أن ثاني أكسيد الكربون يحصل على معظم الاهتمام، إلا أنه يمثل أقل من نصف هذا الاحترار، فيما يأتي الثلثان (66٪) من التأثيرات الأخرى، وتمثل نفاثات أو مسارات بخار الماء من عوادم الطائرات الحصة الأكبر.
الوقود الحيوي هو الحل
هناك حاجة إلى العديد من التدابير الفنية المتعلقة بالوقود منخفض الانبعاثات، وتحسينات هياكل الطائرات والمحركات، وتحسين العمليات، وحلول تقييد الطلب للحد من نمو الانبعاثات وخفضها في نهاية المطاف خلال هذا العقد من أجل السير على الطريق الصحيح مع صافي الانبعاثات الصفرية بحلول عام 2050.
أدت إجراءات السياسة وجهود الصناعة إلى تحسينات في كفاءة استهلاك الوقود خلال السنوات الأخيرة.
على سبيل المثال، انخفضت كمية الوقود المحروق لكل راكب بنسبة 24% بين عامي 2005 و2017.
ومع ذلك، فقد فاق النمو المستدام في الحركة الجوية هذه الفوائد البيئية، حيث زاد عدد المسافرين في عام 2017 بنسبة 60% عما كان عليه في عام 2005.
لذا يُعد استخدام وقود الطيران المستدام، بالإضافة إلى اعتماد مجموعة من الممارسات المستدامة الأخرى، طريقة سريعة لتقليل انبعاثات الكربون الناتجة عن الطيران.
وجد العلماء أن استخدام وقود الطيران المستدام يمكن أن يقلل الانبعاثات بنسبة تصل إلى 80%.
يتمثل ذلك في تطوير الطائرات الحالية بحيث تعتمد على الوقود الحيوي، حيث يمكن الوصول إلى الطيران الأخضر عبر تنويع مصادر وقود الطائرات باستخدام أنواع أكثر استدامة.
فالوقود الحيوى يعطى جزيئات أقل من ثاني أكسيد الكربون، مقارنة بوقود الطائرات المستخرج من مصادر أحفورية، لكن له نفس الخصائص، ويعتمد إنتاجه على الكحول والسكر ومخلفات المحاصيل الزراعية والصناعية والتخمير والطحالب والمخلفات المنزلية مثل زيت الطهي أو حتى النفايات، كما تتوجه الأنظار نحو استخدام غاز الهيدروجين لتوليد طاقة لتحريك الطائرات.
تجارب ناجحة
هناك بعض شركات الطيران تطير بالفعل بالوقود الحيوي، أو وقود هجين، يخلط الحيوي بالأحفوري التقليدي، حيث يمكن استخدام كلا النوعين من الوقود في المحرك ونظام الوقود الخاص بالطائرة نفسها.
رغم أن الوقود الهجين وتحديدَا القائم على النفايات يخفض من الانبعاثات، ولا يقضي عليها تمامًا، إلا أنه يمثل خطوة جيدة نحو التخلص من الوقود التقليدي.
في عام 2019 ، قامت إحدى طائرات شركة الاتحاد الإماراتية للطيران بتشغيل طائرة بوينج 787 دريملاينر باستخدام مزيج من وقود الطائرات التقليدي والوقود الحيوي من نبات الساليكورنيا الذي ينمو في صحراء أبوظبي.
بالإضافة إلى ذلك، استخدمت خطوط جوية عالمية، خلال ما يقرب من 200 ألف رحلة حتى الآن، مزيجًا من الوقود التقليدي والوقود الحيوي، أبرزها خطوط كانتاس، ويونايتد إيرلاينز، وفيرجن أتلانتيك، وألاسكا إيرلاينز.