الشيخ د.عجيل النشمي: يسأل الكثيرون عن حكم البيتكوين باعتبارها عملة الكترونية شغلت عالم المال وأغرت الكثير من الأشخاص والشركات بالتعامل فيها.
ولا بد لنا كمسلمين أن نتريث في التعامل بها حتى نعرف الحكم الشرعي.
فهل هي حلال فنتعامل بها أو حرام وما هو سبب التحريم في هذه الحال؟
الجواب: يسبق الحكم الشرعي تصور ما هي هذه العملة فإذا عرفناها بوضوح يمكن بيان الحكم الشرعي.
فالبيتكوين كما عرفت في المصادر العلمية الموثوقة هي عملة ونظام دفع عالمي يمكن مقارنتها بالعملات الأخرى مثل الدولار أو اليورو، لكن مع عدة فوارق أساسية، من أبرزها: أن هذه العملة هي عملة إلكترونية بشكل كامل تتداول عبر الإنترنت فقط من دون وجود فيزيائي لها. وهي أشهر من عملات أخرى مثلها مثل الريبل والأيثير، وهي أول عملة رقمية لا مركزية فهي نظام يعمل دون مستودع مركزي أو مدير واحد، أي أنها تختلف عن العملات التقليدية في عدم وجود هيئة تنظيمية مركزية تقف خلفها.
وتتم المعاملات بشبكة الند للند بين المستخدمين مباشرة دون وسيط من خلال استخدام التشفير.
يتم التحقق من هذه المعاملات عن طريق عقد الشبكة وتسجيلها في دفتر حسابات موزع وعام يسمى سلسلة الكتل.
اخترع مجموعة من الناس البيتكوين أو هو شخص غير معروف عرف باسم ساتوشي ناكاموتو. وتم طرح «البيتكوين» للتداول في عام 2009م بقيمة 0.0001 دولار، وارتفع في منتصف عام 2011م إلى 35 دولارا، ووصل في بداية عام 2017م إلى 1000 دولار، ثم تصاعد «البيتكوين» بشكل سريع حتى وصل إلى نحو 6055 دولارا في 21 أكتوبر الماضي، واعتبارا من فبراير 2015، فقد اعتمد أكثر من 100.000 تاجر وبائع البيتكوين كعملة للدفع.
وتشير تقديرات البحوث التي تنتجها جامعة كامبريدج إلى أنه في عام 2017، هناك ما بين 2.9 إلى 5.8 ملايين مستخدم يستعمل محفظة لعملة رقمية، ومعظمهم يستخدمون البيتكوين.
وقد سجلت ارتفاعات فلكية في الشهور الأخيرة من عام 2017 حيث ارتفعت قيمتها بنسبة 1327% ولكنها في الوقت ذاته متذبذبة القيمة ومضطربة فقد تعرضت لهزات عنيفة – وتدنت مليارا في أسبوع -.
فقد تتدني قيمتها الى النصف أو أكثر وتراجعت القيمة السوقية لعملة البيتكوين والريبل والايثير630 دولارا مقابل 730 بنهاية الأسبوع الماضي.
وتعد ألمانيا من الدول التي اعترفت رسميا بعملة بيتكوين بأنها نوع من النقود الإلكترونية، وبهذا اعتبرت الحكومة الألمانية أنها تستطيع فرض الضريبة على الأرباح التي تحققها الشركات التي تتعامل بـ«البيتكوين»، في حين تبقى المعاملات المالية الفردية معفاة من الضرائب. ويتداول البيتكوين في أسواق كوريا الجنوبية.
وهذا يكفي لمعرفة حقيقة ما يسمى عملة بيتكوين ولتصور ومعرفة حقيقتها.
فإذا اعتبرناها نقدا فإن حقيقة النقد ووظيفته لا تتحقق فيها، فقد وضع الفقهاء تحديدا دقيقا لحقيقة النقد فهو وسيط للتبادل، ومعيار ومقياس لقيم الموجودات بيعا وشراء.
ومعيار للمدفوعات الآجلة، وتحظى بالقبول العام.
والحكم الشرعي ليس متعلقا بمادة البيتكوين إن كانت من حديد أو ورق أو رقما الكترونيا، فليس المهم الشكل أو المادة وإنما المهم والمعتبر تحقق معنى وحقيقة النقد بأن يكون معيارا ومقياسا لما يتعامل به، ولا تكون هي مقصودة بالبيع والشراء مثل السلع.
كما قال الإمام ابن تيمية: «الدراهم والدنانير لا تقصد لنفسها بل هي وسيلة إلى التعامل بها، ولهذا كانت أثمانا بخلاف سائر الأموال، فإن – هذه الاموال – المقصود الانتفاع بها نفسها» والعملات في الدول اليوم لا تعتمد للتداول إلا باعتماد بنوكها المركزية.
ولكن البيتكوين اذا اعتبرناها عملة فإن البنوك المركزية لم تعتبرها، فإذا اعتبرتها أصبحت عملة مضمونة بضمان البنك، وهذه العملة لا تخضع لهذه البنوك.
فهي عملة غير مضمونة، وفي هذا جهالة ومخاطرة، بل لا يعرف لهذه العملة مصدر محدد يمكن الرجوع إليه، فالجهالة والغرر مستحكم فيها، وهي بصورتها الحالية نوع من القمار، لأن من يتعامل بها يقدم بوضع أمواله وهو يعلم بالمخاطر ويعلم أنها عملة غير مضمونة من جهة بنكية معتبرة، ويعلم باضطرابها، وأنها قابلة للخسارة لبعض أو كل أمواله، لأنه لا قيمة حقيقية لها، إذ القيمة الحقيقية لها كما يقول المختصون «ان القيمة الحقيقية للبيتكوين الإلكترونية هي صفر».
ومع ذلك يطمع المتعامل بالربح وهذه هي المقامرة المحرمة. ولعل أخطر ما فيها اقتصاديا أنها تخل بتوازن سيولة الأموال في الدولة التي يشرف عليها ويوجهها البنك المركزي، فأضرارها على الدولة كبيرة، وخاصة أنها أفسح مجالا وأوسع في غسيل الأموال المشبوهة الناتجة عن عمليات المخدرات أو بيع الأسلحة وغيرها، وهي غطاء للفساد المالي والتهرب الضريبي وغير ذلك من المفاسد والأضرار على ميزانيات واستقرار الدول إلى جانب الأضرار على المتعاملين، ولهذا منعت العديد من الدول التعامل بها وبدأت تراقب نمو الأموال غير الطبيعية للشركات والأفراد وتجرم أعمالهم.
وبناء عليه فيحرم تداول هذه العملة لأنها جمعت بين الغرر والجهالة والمقامرة، إلى أن تتحقق فيها عناصر العملة المعترف بها دوليا وتخلو من هذه المحاذير .