رغم التوفر على وضعية مالية واجتماعية جيدة، بادرت بشرى عزام إلى خوض تجربة الهجرة إلى كندا، وقد جاءت هذه الخطوة بعدما تملكت الحاصلة على تكوين اقتصادي رفيع المستوى رغبة في مواصلة التحصيل، والنهل من العلوم في وسط أكاديمي يجمع بين التجارب المالية الرائدة في غرب القارة الأوروبية كما في أمريكا الشمالية.
التزم المسار المهني الأساسي لبشرى بمسؤوليات موزعة على ميدانين اثنين. الميدان الأول ذو صلة وثيقة بتطويرات في الحقل البنكي، ويرتبط بمؤسسة مصرفية لها وزن محترم في السوق، بينما الميدان الثاني يتجلى في مجال التأمينات، وما تزال التجربة الخاصة به مسترسلة مع اسم رائد في هذا المضمار على الصعيد الفيدرالي بكندا.
استكمال التكوين المغربي
كبرت بشرى عزام في ‘’العاصمة الاقتصادية’’ للمغرب، وتحصلت على شهادة الباكالوريا في شعبة العلوم الرياضية من ثانوية الحسن الثاني بالدار البيضاء، ثم دلفت إلى المعهد العالي للمحاسبة وإدارة المقاولات، المؤسسة العمومية للتعليم العالي المشتهرة اختصارا بتسمية ‘’ISCAE’’، من أجل الحصول على دبلوم يساير ميولها إلى المجال الاقتصادي والمعاملات المالية.
تقول بشرى: ‘’حصلت على فرص شغل في شركات عديدة بعد التخرج، من بينها ديكاتلون على سبيل المثال لا الحصر، أي إنني انخرطت في مجموعة من التجارب الجيدة التي تغني عن أي رغبة في الهجرة من أجل أهداف مهنية، لكن استراتيجيتي تركز دوما على تنمية المسار عبر التقدم في دراسيا’’.
ابتغت عزام الحصول على شهادة ماستر في إدارة الأعمال من كندا أو الولايات المتحدة الأمريكية، وبعد بحثها جيدا في الموضوع عرفت أن المقابل المالي للتعليم العالي يبقى أقل عند نيل ترخيص للإقامة الدائمة على التراب الكندي، فكان هذا هو الخيار الأفضل المتاح أمامها.
الإنجليزية والاندماج
تم قبول طلب بشرى عزام للهجرة إلى كبيك في كندا، وقبل الالتحاق بجامعة McGill، الكائنة في مدينة مونتريال منذ 1821، وهي الأقدم من نوعها على صعيد البلاد بأكملها، عرجت المغربية نفسها على الولايات المتحدة من أجل تقوية اللغة الإنجليزية قبل الإقبال بجد على المرحلة الجديدة من حياتها في أمريكا الشمالية.
تورد المعنية بهذا التحرك في سنة 2000: ‘’كنت في حاجة إلى الوثوق في قدراتي اللغوية فقط، فقد حسنت مستواي في اللغة الإنجليزية خلال ظرف زمني قياسي، وبعدها ركزت على التكوين الأكاديمي في تخصصي المرتبط دائما بالمجال المالي، ورغم قساوة العيش في الغربة كسبت الرهان في آخر المطاف’’.
كما تذكر عزام أنها حاولت الحصول على عمل في بداية المسار الدراسي بمونتريال، لكنها لم تحصل على الفرص الملائمة لوضعيتها، لكن ذلك تحقق بعد انتهاء سنة الماستر الأولى، مستفيدة من بصمة ‘’ماكغيل’’ على الوثائق التي تقدمها للمشغلين، وبالتالي قبلت أن تكون البداية بصفة محللة مالية.
الجهل بموعد العيد
تستعيد ابنة الدار البيضاء ذكريات السنين الأولى للاستقرار في كندا لتعلن أن حصد النتائج الإيجابية لا يعني أن الطريق كانت مفروشة بالورود، بل لا بد من الاعتراف بأن صعوبات البداية تبقى ضرورية، ولا تستثني أي أحد من الوقوع في شراكها، سواء كانت الهجرة لدوافع اقتصادية أو علمية أو بينهما.
وتضيف في هذا الإطار: ‘’أناس كثيرون يلجؤون إلى الحديث عن الهجرة خارج المغرب باستسهال للغربة، بينما أعتبر أن أي إنسان يكون تحت الضغط عندما يستقر خارج بلده، وأضرب مثلا بما عشته حين كنت أتلقى اتصالات تبارك عيد الأضحى، بينما كنت أجهل موعد حلوله عند الانغماس في الالتزامات المهنية مع الكنديين’’.
‘’كان ذلك خلال السنوات الأولى التي انتقلت فيها إلى كندا، وقتها اتسمت التعابير الهوياتية للجالية المغربية، ومعها الجاليات المغاربية والإسلامية، بصعوبة الرصد في الفضاء العام، إما لقلة العدد أو لهشاشة وسائل التواصل أو حتى ندرة المبادرات التواصلية، بينما تحسن الوضع في السنوات الأخيرة دون أن يعني ذلك أن التواجد في الغربة تحول إلى متعة’’، تبرز بشرى عزام.
ترقيات في إطار الثبات
تستند بشرى عزام إلى تجربتها لتقول إن التكوين في كندا يلغي المشاكل التي يمكن أن ترتبط بالديبلومات السابقة المتحصل عليها من خارج البلاد، وبالتالي لا تعود هناك حاجة إلى معادلة الشهادات على امتداد المسار، وتنفي المغربية عينها أن تكون قد لاقت العنصرية في المجال المهني الذي اختارته لنفسها، مؤكدة أن هذا ما دفعها إلى عدم تغيير الشركات ما دامت الاستفادة من الترقيات تأتي مرة تلو أخرى.
بدأت بشرى محللة مالية في شركة، وبعد الحصول على شهادة ‘’MBA’’ المبتغاة، صارت مديرة فريق في المؤسسة ذاتها حتى حصلت على عرض من بنك ‘’ لورونسيين’’ للاشتغال مديرة مشروع يهم المراقبة الداخلية، ثم صارت نائبة للرئيس مساعدة مع فريقين، الأول للمراقبة الداخلية والثاني للنظام المالي.
استفادت عزام من الترقية لتغدو مسؤولة عن مشاريع المصرف المذكور مع الشركات الكبرى، وتجلت منجزات هذه المرحلة في إرساء معايير محاسباتية، فكان مجموع مدة هذه الخدمات لصالح ‘’Laurentienne’’ قرابة 14 سنة، تخللتها رحلة بحث عن لقب خبيرة محاسبة، وقد تحقق بالحصول على دبلوم ‘’CPA’’ في 2010.
مستقبل في التأمينات
قبلت بشرى عزام تغيير الوجهة لتصير مديرة رئيسية في شركة التأمينات “أنطاكت” وذلك بعدما اعتبرت أداءها في المجال البنكي قد حقق الأهداف المنتظرة منه بوضوح، وأن المسار المسطر لبلوغ ذلك قد اتسم بالعمل الجدي، لذلك رأت أن الوقت الحالي موات كي تعلي سقف الرهانات وتقبل الاشتغال نائبة للرئيس مكلفة بالتحول المالي.
تقول ذات الأصل المغربي: ‘’في شركة التأمينات Intact، وهي الأولى في القطاع على مستوى كندا، أتولى حاليا مجموعة من المهام بخصوص كل أنظمة التمويل والمشاريع ذات الصلة بها، وفي مقدمتها التحول المالي، أعمل مع فرق خبراء من مستوى عال على تقديم القيمة المضافة من هذا الموقع المسؤول’’.
وفي الوقت الذي تنفي وجود توجه نحو الاستفادة من فرص تنقل أداءها المهني إلى المغرب، وتعلن أن العلاقة الحالية مع الوطن الأم مبنية على الارتباط الوجداني وزيارة أفراد العائلة كلما سمحت أجندة العمل بذلك، تترك عزام الباب مواربا كي يبقى هذا الأداء ممكنا في المستقبل.
نصائح في النجاعة
توجه بشرى عزام نصائح عدة إلى الأشخاص الراغبين في البصم على قصص نجاح من خلال الهجرة إلى كندا، قائلة: ‘’لا وجود لأي شيء سهل في الدنيا، ولا أثر في العالم لبلد يعمد إلى رمي الأموال على الأرض حتى يجمعها الناس، مثلما لا يمكن العثور على اشتغالات تحقق العيش بكرامة دون الحاجة إلى بذل الجهد”.
كما ترى الوافدة إلى كندا بتكوين مغربي في الاقتصاد والمالية أن الأولوية يجب أن تمنح للحصول على تكوين في بلد الاستقرار، وأن يتم هذا باستهداف اسم دبلوم معروف بين الناس، وفي أي مجال إذا لم تكن هناك رغبة محددة مسبقا، لكن يجب على كل مرء أن يحسم اختياراته وفق القدرات التي يملكها.
‘’التكوين مفيد جدا ولو كانت مدته قصيرة، واللغة الإنجليزية مهمة للغاية في كندا رغم حضور الفرنسية على مستوى بارز في كبيك، فالبلاد تعتمد على الإنجليزية أولا، لذلك ينبغي إيلاء هذا المعطى أهمية قصوى من البداية، والوعي أيضا بأن البذل الصادق يعطي مفعولا فوريا في تجارب كثيرة’‘، تختم بشرى عزام.