أخبارمال و أعمال
أوقفوا هذا التشتت العظيم!
بقلم: د. زيد بن محمد الرماني
إن إحدى المشكلات العالمية الأكثر إلحاحا على المدى الطويل بيئيا واجتماعيا، هي مشكلة الانفجار السكاني، الذي يسبب نزيفاً شديداً لموارد الكوكب. لقد استغرق الوصول إلى عدد سكان العالم ما يقارب البليون، والذي حدث عام 1830، عدة ملايين من السنين. وقد أضيف بليون آخر بعد قرن واحد فقط. وتضاعف عدد السكان مرة أخرى بحلول عام 1975 إلى 4 بلايين. وفي العشرين عاماً التي تلت، ارتفع عدد سكان العالم إلى 5.7 بليون. وفي كل عام نضيف 9 ملايين شخص آخر إلى الكوكب. ويعيش حالياً 1 على 20 من كل البشر، الذين مشوا على سطح الأرض على مدى تاريخها.
إن هذا الانفجار السكاني، الذي لم يسبق له مثيل، يفرض ضغطاً هائلاً على موارد الغذاء والنظام البيئي والتنوع الحيوي، وحسب معهد مراقبة حالة العالم world watch Institute، وصل صيد السمك في العالم عام 1997 إلى 100 مليون طن/ العام. وبالمثل فإن الإنتاج العالمي من الحبوب وصل إلى القمة عند 1.7 بليون طن/العام. وفي هذه الأثناء تعادل مساحة الغابات المزالة كليا مساحة قارة الولايات المتحدة. ويعني هذا توافر أراض أقل لزراعة الأغذية والقضاء على أصناف كاملة من النباتات والحيوانات، ويقدر بعض علماء الأحياء أننا قد نفقد مليون صنف في نهاية القرن، وحوالي ربع كل الأصناف على الأرض، بحدود منتصف القرن الحادي والعشرين.
ويؤكد عالم الأحياء روبرت كيتس، أنه كانت هناك تاريخياً ثلاث موجات من الانفجارات السكانية، ترافقت كلها مع إدخال علم وتكنولوجيا جديدين: لقد بدأ الانفجار السكاني الأول منذ حوالي مليون سنة، عندما اكتشف البشر استخدام الآلات، مما أطلق زيادة في سكان العالم من بضع مئات الآلاف إلى 5 ملايين. وأتت الثورة الثانية التي بدأت منذ 10 آلاف سنة مضت مع اكتشاف الزراعة، وتدجين الحيوانات والنباتات، وفي هذا الوقت نما السكان مائة ضعف إلى حوالي 500 مليون. وبدأ الانفجار السكاني الثالث منذ عدة مئات من السنين مع الثورة الصناعية.
والسؤال هو: هل يستطيع العالم الاستمرار في إطعام سكانه، بينما يستمر عددهم في التزايد بمعدلات سريعة؟
إن هذه الزيادة الهائلة في عدد السكان قد تنتهي في يوم ما، وتقدر الأمم المتحدة أن عدد السكان سيتباطأ تدريجيا، ليصل إلى 6 بلايين عام 1999 وإلى 7 بلايين عام 2011، و8 بلايين عام 2025، و9 بلايين عام 2041، و10 بلايين عام 2071، وقد يستقر في النهاية عند حوالي 12 بليونا في القرن الحادي والعشرين.
ومن الواضح أن حضارتنا، التي هي من النوع صفر، تواجه مخاطر بيئية ضخمة حتى القرن الحادي والعشرين، وقد تضطر الدول التي قاومت تاريخياً التعاون مع بعضها إلى مواجهة هذه القضايا العالمية والتعاون معا بشأنها.
لقد كانت الحضارة نعمة على الإنسانية، ونقمة عليها في الوقت ذاته. لقد عشنا 99 في المائة من تاريخ الوجود البشري على شكل قبائل صغيرة وبدائية ومتجولة، تدعم اقتصادياً حوالي خمسين شخصاً أو ما يقارب ذلك، (لقد أظهرت الدراسات أن القبيلة عندما تتوسع إلى ما بعد هذا الرقم تقريبا، فإنها لا تستطيع إطعام كل أعضائها الإضافيين ودعمهم، ولذا فهي تنقسم). إن ما جمع هذه القبائل مع بعضها كان الثقافة: من طقوس وعادات ولغة قدمت الحماية والدعم من الأصدقاء والأقارب. لقد دعمت الحكايا والأساطير البطولية، التي كانت تقص حول مواقد النار القديمة، الروابط ضمن القبيلة. وقد أعطانا هذا، أيضاً، التنوع الحالي للبشرية والفسيفساء الغنية لآلاف اللغات والأديان والطقوس الموجودة الآن. ولكن الثقافة كانت لعنة أيضا، لقد قوى عدد من هذه الأساطير عقيدة ((نحن)) ضد ((هم))، التي سببت منافسات عنيفة وحروبا قبلية بين ثقافات الأقوام الرحل هذه.
ومع ذلك، فإن الثورات العلمية الحالية تطلق قوى ستبدأ في القرن الحادي والعشرين ولأول مرة منذ 100 ألف عام، في الحد من العوامل التي حافظت على هذا التشتت العظيم. فالاتجاهات القديمة والمركزية التي فرضت هذا التشتت تتلاشى تدريجيا، ونرى هذا الميل نحو حضارة كوكبية على جبهات عديدة: صعود الاقتصاد العالمي، وتقهقر الدول ونمو الطبقة الوسطى في العالم، وتطوير لغة عالمية مشتركة، وبروز ثقافة عالمية.