مال و أعمال
بعد إلغاء قيود الواردات.. كيف سيتأثر سعر الجنيه المصري؟
اتفق خبراء على أن قرار البنك المركزي المصري إلغاء شرط العمل بالاعتمادات المستندية والسماح بعودة العمل بمستندات التحصيل في عمليات الاستيراد، سيخفف الطلب على الدولار وينعش الاقتصاد مؤقتا، لكنهم شددوا على أن الحاجة لسعر صرف مرن للجنيه أمام الدولار دون قيود باتت ضرورية وملحة.
* البنك المركزي المصري، أعلن الخميس، إلغاء قيدا أساسيا على الواردات إلى مصر، إذ أصدر قرارا بإلغاء كتاب صدر في شهر فبراير الماضي يشترط خطابات اعتماد مستندية للواردات، وذكر أن الحكومة المصرية ستسمح الآن بالدفع المباشر وقبول مستندات التحصيل.
* ومستندات التحصيل تعني أن المستورد يدفع للمورد الأجنبي جزءا من قيمة الشحنة مقدما وعندما تصل الشحنة، تصل المستندات الخاصة بها، ومن ثم يحول المستورد باقي قيمة الشحنة، بينما الاعتماد المستندي، فإنه يتمثل في فتح المستورد اعتمادا بكامل قيمة الشحنة المستوردة ويسددها مقدما.
* وتسبب نقص حاد في العملة الأجنبية في مصر على مدار الأشهر الماضية في صعوبات للبنوك والمستوردين فيما يتعلق بدفع خطابات الاعتماد اللازمة للإفراج عن شحناتهم من الجمارك، واشتكت المصانع وشركات التجزئة من أن الإنتاج والمبيعات تضررا بسبب نقص في مستلزمات التشغيل.
يقضي على السوق السوداء بشرط
الخبير المالي المتخصص في عمل شركات الاستيراد والتصدير، عبد الفتاح مزروع، أكد في تصريحات أن هذا القرار سيجعل باب الاستيراد مفتوحا على مصراعيه، وإذا لم تتوفر حصيلة دولارية في البنوك تغطي طلبات الاستيراد فإن سعر الدولار سيرتفع أكثر.
وشدد على أنه إذا استطاعت البنوك تلبية حاجة المستوردين سيتم القضاء على السوق الموازية، ومن ثم لتحقيق ذلك فلابد من إقرار سعر صرف مرن يمكن البنوك من توفير الدولار بسعره الحقيقي حتى لا تتعرض لخسائر، لأن السعر الرسمي في البنوك لم يصل إلى 25 جنيها للدولار، بينما في السوق السوداء تخطى 30 جنيها.
وأوضح مزروع أن سبب العودة للعمل بمستندات التحصيل أن الاعتمادات المستندية زادت من القيود خصوصا على المصانع التي تحتاج استيراد مواد خام مما أدى لتقليل الإنتاج إلى النصف، ومن ثم انخفاض التصدير وانخفاض العائد الدولاري مما رفع سعر الدولار أمام الجنيه، وفتح الاستيراد مرة أخرى قد يؤدي لاستقرار سعر الصرف بعد انتعاشة عمل المصانع والتصدير للخارج.
يخفف الضغط على الدولار مؤقتا
الخبير الاقتصادي، حمدي الجمل، قال إن إدارة البنك المركزي السابقة كانت اتخذت قرار إلغاء العمل بمستندات التحصيل، واقتصار العمل بالاعتمادات المستندية، للحد من الواردات وتخفيف الضغط على العملة، خاصة بعد شح العملة الصعبة إثر خروج الأموال الساخنة من مصر مع اندلاع الحرب الروسية الأوكرانية ورفع الفائدة الأميركية.
وأوضح أن قرار البنك المركزي الصادر الخميس بالعودة للعمل بمستندات التحصيل في عمليات الاستيراد، سيخفف كثيرا من حدة أزمة نقص الدولار بالسوق المصري، لأن عمليات الاستيراد ستتم بسداد مقدم للعملية الاستيرادية فقط وسداد باقي القيمة بعد وصول البضائع لمصر، ومن ثم هناك فرصة للمستورد أن يعمل دون ضغط، حيث يستورد ما يشاء من بضائع وبعد ذلك يسدد مقابلها بالدولار بعد حتى بيعها في السوق المصرية.
وأكد أن جزء مما زاد الأزمة في مصر كان إلزام المستوردين عبر الاعتمادات المستندية بسداد كامل ثمن بضائعهم المستوردة بالدولار قبل استيرادها، وهذا أدى إلى شح الدولار بالسوق والمضاربة به، والآن مع إلغاء هذا الإلزام سيقل الضغط على طلب الدولار ومن ثم يستقر سعره أمام الجنيه.
وأشار إلى أن البنك المركزي قد يلجأ بعد ذلك لتعويم الجنيه عند سعر معين للقضاء على المضاربات بالسوق السوداء، ولكن تظل الأزمة قائمة طالما هناك نقص في الدولار، لأن المشكلة الهيكلية التي تحتاج لعلاج أن مصر تستورد سنويا بما يوازي 120 مليار دولار، بينما دخلها الدولاري من شتى المصادر لا يتخطى 70 مليار دولار، وبالتالي لابد من تغطية هذا الفارق من أجل استقرار سعر الصرف.
أستاذ الاقتصاد بجامعة حلوان، عمرو سليمان، قال لموقع “اقتصاد سكاي نيوز عربية” إن هذا القرار هو تصحيح لإجراء تم اتخاذه من قبل الإدارة السابقة للبنك المركزي، اعتقادا منها بأن هذا يؤدي إلى تنظيم أكثر لعملية الاستيراد وأيضا للنقد الأجنبي ومنع المضاربات، وأيضا يحد من قيمة العملة ويقلل الواردات، ولكنه كان إجراء تم اتخاذه كعلاج لعرض وليس للمرض نفسه، لأن المرض الأساسي في هذا الوقت كان كيفية استقرار سعر الجنيه أمام الدولار والعملات الأجنبية.
وتابع أن القرار الجديد يعد إعادة الأمور إلى أصلها ولكن يظل هذا القرار وحده، غير كافٍ لتحقيق استقرار سعر الجنيه أمام الدولار، ويحتاج معه إلى حزمة متكاملة من السياسات الاقتصادية، وهي بالفعل تم إعدادها من جانب الحكومة المصرية وعرضها على صندوق النقد الدولي ووافق عليها، وأهم تلك السياسات هو إقرار سعر صرف مرن للجنيه أمام الدولار، من خلال آلية واضحة ومستدامة لتسعير الجنيه وليس مجرد تخفيض لقيمته، بحيث يستطيع المستثمرون استخدام تلك الآلية في احتساب تكاليف استثماراتهم، مما يقضي على المضاربات والوضع الضبابي في المستقبل.
وأشار إلى أن القضاء على المضاربات والوضع الضبابي لن يتحقق إلا في وجود سعر صرف عادل، وفي بدايته قد يكون مبالغا في سعر الدولار للقضاء على السوق السوداء، ولكن بعد ذلك وخلال أقل من سنة ستظهر القيمة العادلة لسعر صرف الجنيه أمام الدولار.
وشدد على أن أية إجراءات أخرى مثل تغليظ العقوبات أو منع الاستيراد أو تخفيض حدود السحب كل ذلك لن يجدي نفعا في القضاء على السوق السوداء للدولار، والمطلوب هو إجراء ضروري بإقرار سعر صرف مرن يحقق المطلوب على المدى القريب، ولذلك كان لابد من عودة حركة الاستيراد لطبيعتها، لأنه ليست كل الواردات سلع نهائية بل هناك مدخلات إنتاج ومواد خام مطلوبة لتشغيل المصانع من أجل إنعاش حركة النمو وبالتالي التصدير ومن ثم يتوافر الدولار، وفي حالة سعر الصرف المرن يتحقق الاستقرار اللازم.
المصدر : سكاي نيوز عربية