تبحث الجزائر وإسبانيا عن طريق شركتيهما الرئيسيتين للمحروقات عن تحديد سعر للغاز لسنتي 2023 و2024، في إطار مفاوضات طويلة أملتها ظروف الحرب في أوكرانيا، وحاجة أوروبا المتزايدة للطاقة، بعد انقطاع الإمدادات الروسية.
وقالت مصادر متخصصة لـ«الشرق الأوسط» إن «مؤشرات إنهاء القطيعة بين البلدين، التي لاحت في الأفق خلال الأسابيع الماضية، شجعت مسؤوليهما على إيجاد اتفاق يضمن لهما المصلحة» المشتركة. والمعروف أن الجزائر أوقفت التجارة مع مدريد، وسحبت سفيرها منذ مارس (آذار) 2022 كرد فعل غاضب على انحيازها لخطة الحكم الذاتي المغربية بخصوص الصحراء. وخلفت هذه القطيعة خسائر بعشرات ملايين الدولارات للشركات، التي تتبادل السلع والخدمات في البلدين.
وقبل أسبوع كتبت الصحافة الإسبانية أن الجزائر قررت إعادة سفيرها إلى منصبه في مدريد، على أثر لقاءات رفيعة جمعت وفدي البلدين خلال مشاركتهما في الجمعية العامة للأمم المتحدة في سبتمبر (أيلول) الماضي. لكن لا يعرف إن كان شرط الجزائر قد تحقق على أرض الواقع، وهو عدول إسبانيا عن دعم مقترح الحكم الذاتي المغربي للصحراء، نظير عودة العلاقات إلى ما كانت عليه.
واستثنت الجزائر تصدير الغاز من قرار حظر التجارة مع إسبانيا، بسبب ارتباط ذلك بعقود متوسطة وطويلة المدى، ينجر عن فسخها أو إحداث تغيير عليها آثار مالية كبيرة
وأكدت المصادر ذاتها أن «سوناطراك» الجزائرية و«ناتورجي» الإسبانية توصلتا إلى اتفاق حول سعر الغاز لما بقي من 2023 وكامل سنة 2024، ويعد ذلك باكورة مفاوضات مستمرة منذ سنة. وبدأ العمل بالاتفاقات الثنائية الخاصة بالطاقة، السارية حاليا، قبل 20 سنة وتنتهي مدتها في 2032. أما الكمية المصدرة سنويا إلى إسبانيا فهي 5 ملايين متر مكعب. ويتضمن الاتفاق، وفق المصادر نفسها، إعداد «حصيلة مرحلية» يتم بموجبها التفاوض حول الأسعار، بعد مرور 3 سنوات من التوقيع عليه.
والتقى الرئيس التنفيذي الجديد لـ«سوناطراك»، رشيد حشيشي، مع رئيس «ناتورجي» فرنسيسكو رينس في 25 من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي بالجزائر العاصمة، لبحث عقود توريد الغاز طويلة المدى. وجاءت مباحثاتهما، وفق كوادر بالشركة الجزائرية، في سياق الانتعاشة التي تشهدها العلاقات السياسية بين الجزائر وإسبانيا.
وكانت سوناطراك قد أكدت في ختام جولة مفاوضات بين رئيسها والمدير التنفيذي لـ«ناتورجي»، جرت في السادس من أكتوبر 2022، أنها صدرت أكثر من 83 مليار متر مكعب من الغاز إلى إسبانيا، خلال 10 سنوات (2012 – 2022). وأبرزت أن هذه الكمية «أسهمت في تعزيز دور الجزائر بوصفها موردا موثوقا به في السوق الأوروبية للغاز».
وخلال الأشهر الأخيرة من العام الماضي، راجعت «سوناطراك» أسعار عقود توريد الغاز مع معظم شركائها في أوروبا، وجرى رفعها لتتماشى مع واقع السوق الدولية، حسب ما أكده يومها رئيسها التنفيذي توفيق حكار، المقال حديثاً. علما أن الإنتاج الجزائري الكلي للغاز يبلغ 130 مليار متر مكعب سنوياً، وفق بيانات «سوناطراك»، يصدر منها أكثر من 50 مليارا، ومثلها يستهلك في السوق الداخلية، بينما يتم إعادة ضخ بقية الكميات في الآبار لزيادة نسب الاسترجاع (رفع الإنتاج).
ووقعت الشركة المملوكة للدولة العام الماضي عقوداً لتوريد كميات إضافية من الغاز إلى إيطاليا، تصل إلى 9 مليارات متر مكعب سنويا، إضافة لتزويد سلوفينيا بالغاز لأول مرة منذ 2012 بكميات سنوية تفوق 300 مليون متر مكعب. علماً أن إمداد أوروبا بالغاز الجزائري يتم عبر خطي أنابيب «ترانسماد – إنريكو ماتاي»، ويصل إيطاليا عبر المتوسط مرورا بتونس. و«ميدغاز»، الذي يمر من الساحل الشمالي الغربي للبلاد، مباشرة إلى ألميريا جنوب إسبانيا.